تمكن الجميع من التعرف على رؤية الفتاة المعاصرة للزواج من خلال المسلسل الناجح "عايزة أتجوز"، والذي تابعنا حلقاته الثلاثين في رمضان الماضي، وبحثنا مع "علا عبد الصبور" عن عريس مناسب، ورغم تعدد "الخُطاب"، إلا أن سببا ما كان يحول دون ظهور كلمة النهاية السعيدة لأحد مشاريع زواجها.
لقد شكّل الجميع انطباعاته عن رؤية فتيات هذا الجيل للزواج، ولكن الجميع ما زال يتساءل عن آدم، كيف يرى "آدم الجيل الحالي" منظومة الزواج، فكان لابد من رصد آراء مجموعة من الشباب للتعرف على الزواج من وجهة نظرهم، فكان لنا هذا التحقيق...
في البداية يقول "محمد زكي" - 26 سنة : "الزواج مطلب أساسي لكل شاب، وجميعنا نبحث عنه. وفي رأيي أن سن الزواج المناسب للرجال هو السادسة والعشرين على أقصى تقدير، حتى يتمكن الزوجان من بناء حياتهما معا بشكل منظم وعقلاني".
ورغم أنه يعترف بأن الظروف الاقتصادية الصعبة والغلاء وطلبات الآباء المبالغ فيها من أهم معوقات الزواج، إلا أنه يقترح أن يوافق "أهل العروسة" على نمط الزواج الأوروبي، بحيث يتزوج الشاب والفتاة بالإمكانيات المتاحة لهما حاليا، ويقومان معا بتحسين مستواهما الاجتماعي والاقتصادي، معللا اقتراحه بأنه عندما يجد نفسه مضطرا لتحمل المسئولية بشكل أكبر متمثلا في زوجته، فإن حافزه سيكون أكبر للعمل والإنجاز.
وأشار "زكي" إلى أن ما يقلقه من الزواج ليس "المسائل المالية"، وإنما فكرة تدخل أولياء الأمور في حياة الزوجين الخاصة بشكل مبالغ فيه، نظرا لأن "نصائحهما الغالية" قد تتسبب في تدمير حياتهما.
مهمة مستحيلة
أما "محمود عبد الفضيل" - 30 سنة - فقد قدّم رؤية قاتمة إلى حد ما، عندما وصف الزواج هذه الأيام بـ "المهمة المستحيلة"، لأن الشاب مطالب بأن "يكوّن" نفسه أولا، قبل أن يطرق باب أي فتاة، وأنه حتى لو واتته الشجاعة للإقدام على هذه الخطوة، فإنه سيفاجأ برفض تام وتعنت من قبل أهل العروس، لافتا إلى أن الأهل يبدأون في تقليل مطالبهم المادية عندما "تبور" بناتهم وتدخل في سن "العنوسة".
ورفض "محمود" الظاهرة التي يتبناها الكثير من الشباب مؤخرا، وهى رفضهم الإقدام على الزواج، بحجة أنهم لا يريدون إنجاب أبناء يعانون من ضيق الأحوال المادية، متهما أصحاب هذا الاتجاه بـ "غير الطبيعيين"، خاصة وأن الزواج ضرورة حياتية للشاب، لأنه عندما يكبر سنه يصبح لابد له من الاستقلال عن أسرته.
...
يبدأون في تقليل مطالبهم المادية عندما "تبور" بناتهم وتدخل في سن "العنوسة".
ورفض "محمود" الظاهرة التي يتبناها الكثير من الشباب مؤخرا، وهى رفضهم الإقدام على الزواج، بحجة أنهم لا يريدون إنجاب أبناء يعانون من ضيق الأحوال المادية، متهما أصحاب هذا الاتجاه بـ "غير الطبيعيين"، خاصة وأن الزواج ضرورة حياتية للشاب، لأنه عندما يكبر سنه يصبح لابد له من الاستقلال عن أسرته.
مفاجآت ما بعد الخطوبة
"عمرو عبد الرافع" له منظور مختلف للزواج، فهو شاب في الثامنة والعشرين من عمره، ومرتبط بالخطوبة من إحدى الفتيات، حيث يقول: الزواج خطوة لابد منها للرجل، ومهما تأخرت، فإنه حتما سيقوم بها، ولكن المشكلة أن بعض الشباب يسيطر عليهم الخوف الذي قد يمنعهم من الزواج عندما تسنح لهم الفرصة، لعدة أسباب: منها أن شريكة الحياة نفسها قد تتغير طباعها واهتماماتها وتصبح إنسانة مختلفة عن تلك التي أحبها، كما قد يكون شبح عدم القدرة على تربية الأبناء بشكل صحيح سببا في تأخر زواج الشباب".
بينما يؤكد "يوسف كمال" -27 سنة - أن الزواج في مصر منظومة فاشلة، تحكمها الفلوس، ولكن على ما يبدو فإن مسلسل "عايزة أتجوز" قد كشف المسكوت عنه، وجعل أهل العروس "يتهدوا ويتلموا"، ويكونوا أكثر إدراكا لحجم المأساة التي تعانيها البنات حاليا، وبالتالي أصبحت هناك قابلية لأن يتقبلوا "عريس مش جاهز" ويتركونه يقوم بتجهيز نفسه ماليا في مدة محددة حتى يصبح قادرا على الزواج من بناتهم، وهو ما حدث معي، حيث وافق أهل حبيبتي على منحي مهلة زمنية محددة وتأجيل الخطوبة الرسمية لكى أبني كياني دون ضغوط حتى أصبح لائقا بها.
أما "أحمد عمر" - 25 سنة- فقد قدّم رؤية تشاؤمية إلى حد كبير، حيث قال إنه لن يفكر في الزواج أبدا، قبل أن يكون قادرا على تحمل مسئولية الفتاة التي سيقترن بها، لأن أهل العروس لن يقبلوا أبدا اعطاء ابنتهم لشاب لا يمكنه حتى الانفاق على نفسه، خاصة لو تقدّم لهم عريس "جاهز"، فلماذا يغامرون بمستقبل ابنتهم؟!!
"قلتلها بحبك.. حبيني"
ويؤكد الشاعر الشاب "أحمد عاطف مجاهد" - صاحب ديوان يوميات شاب موكوس - أن هناك اتهامات موجهة لشباب 2010 بأنهم لا يريدون تحمل المسئولية، ولكن المشكلة الأساسية في اختيار الفتاة المناسبة، لأن الشاب وقتها سيصبح متقبلا أكثر للمسئولية الملقاه على عاتقه، وإلا فإنه قد يتزوج "وخلاص" تحت الضغوط الأسرية، مشيرا إلى أن الكثير ...
أكثر للمسئولية الملقاه على عاتقه، وإلا فإنه قد يتزوج "وخلاص" تحت الضغوط الأسرية، مشيرا إلى أن الكثير من الشباب يعانون من وجود أزمة ثقة أو ذكريات من قصص سابقة أو عقد ناتجة عن مشاريع فاشلة، قد تجعلهم غير مقبلين على الزواج من أساسه.
وأنهى عاطف كلامه بإحدى رباعياته والتي تلخص رؤيته -وكثير من الشباب- لفكرة الزواج، حيث قال:
قلتلها بحبك.. حبينى
قالتلى لازم خطوبة رسمى
وكمان انت عليك الصيني
والشقة هتكتبها باسمى
قلتلها طيب بالسلامة
خليكي قاعدة جنب ماما
جت تندهنى عشان تصالحنى
ندهتنى باسم غير اسمى
تحليلات اجتماعية ونفسية لعزوف الشباب عن الزواج
ولتحليل ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج بشكل علمي، كان لابد من رصد تحليلات د. أحمد يوسف "أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة"، الذي يرى أن مسألة اختيار شريك الحياة مسألة معقدة للغاية، فكثير من الشباب تتحكم فيهم صورة الأم المختزنة في أعماقهم عند اختيار شريكة الحياة، من حيث الطباع والحنان ولكن نادرا ما يجد الإنسان زوجة مثل أمه! فعطاء الأم لا يتكرر؛ وبالتالي لا يستطيع أن يحصل على صورة مماثلة، وكثيرا ما تحدث المشاكل بينه وبين زوجته بسبب ذلك.
وطرح د. يوسف بعدا آخر للمشكلة، قائلا: "الجانب المادي له دور كبير في الاختيار؛ حيث تفضل الفتاة العريس الميسور ماديا؛ ليحقق لها أحلامها، وهذا غالباً لا يتحقق للشباب صغير السن؛ فتضطر للقبول بعريس يكبرها في السن بفارق كبير في سبيل تحقيق هذه الأحلام.
وأرجع د. يوسف ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج إلى نظام التربية، وقال:"إنه مسئول عن توجهات وأفكار هذا الجيل. فالأجيال السابقة نشأت على قيم وأخلاقيات تغرس فيهم القناعة والرضا. أما الآن فالقيم اختلفت، فالشاب الغني يريد الارتباط بفتاة اغني منه طمعا في المزيد من المال.
ومن ناحية أخرى، ترجع د. إنشاد عز الدين "أستاذ الاجتماع بجامعة حلوان" عزوف الشباب عن الزواج إلى الرغبة في عدم تحمل المسئولية وتقول:"بما أن الاختيار مسئولية الشخص الذي يختار؛ فعليه أن يتحمل مسئولية هذا الاختيار، ولكن الجيل الحالي غالبا يحمل أسرته مسئولية اختيار العروس، إمعانا في التدلل، خاصة في الأسر الميسورة ماديا؛ التي توفر لأبنائها كل مؤهلات الزواج فور تخرجهم من الجامعة؛ وبالتالي تختار لهم زوجاتهم، وهو يسعد بذلك لأنه إذا فشل الزواج يلقي بالمسئولية على الأسرة، وفي المقابل فإن ...
تختار لهم زوجاتهم، وهو يسعد بذلك لأنه إذا فشل الزواج يلقي بالمسئولية على الأسرة، وفي المقابل فإن أبناء الطبقات الفقيرة لا يواجهون أزمة في الزواج عند الاختيار. فالمستوي الاقتصادي المنخفض يحد من طموحاتهم وأحلامهم، وفي العادة يكون الفقر وعدم القدرة على توفير احتياجات الأسرة سبباً في فشل الزواج والطلاق السريع".