تقنيات جديدة للكشف المبكر عن السرطان بعضها في أجهزة محمولة رخيصة الثمن
يتسابق العلماء حول العالم، في محاولات حثيثة لإيجاد حلول للأمراض المستعصية أو البحث عن طرق أكثر فاعلية في التشخيص والكشف المبكر عن الأورام، في اتفاق شبه جماعي على مقولة: «إذا لم نكن نستطيع أن نمنع حدوث السرطان، فإن أفضل شيء بعد ذلك هو أن نكتشفه مبكرا ونحاربه».
وهذا الأسبوع طفَت على السطح عدة أبحاث صدرت من بقاع مختلفة تدور كلها في فلك «الكشف المبكر للأورام» بطرق مبتكرة، تتحدى عاملَي الدقة والزمن، وهما أساس أي بحث علمي في هذا المجال.
كشف الأورام المبكر
البحث الأول أجراه البروفسور جيه كوون الأستاذ المساعد في الهندسة الإلكترونية وعلوم الكومبيوتر بجامعة ميسوري الأميركية ونشر على موقعها الإلكتروني، فلقد حقق كوون تقدما ملموسا في تطوير تقنية تستطيع الكشف عن وجود السرطانات المختلفة بدقة وسرعة متناهية، عبر تحليل سوائل الجسم، ما يشبه اختبار الحمل المنزلي، ليسطر بذلك فصلا جديدا في المجال العلمي ويفتح آفاقا غير مأهولة في طرق التشخيص.
تعتمد التقنية التي ابتكرها كوون على استخدام أجهزة خاصة بالرنين الصوتي لتتبع العناصر الكيمائية التي تفرزها الأورام. وتحتوي هذه الأجهزة على أنظمة كهروكيميائية دقيقة جدا لديها القدرة على التأكيد الفوري لوجود العناصر الكيمائية حتى ولو بكمية ضئيلة جدا.
ويؤكد كوون أنه يسعى لتطوير هذه التقنية، التي نجحت بالفعل حتى الآن في تشخيص الكثير من الأورام مثل سرطان الثدي والبروستاتا، حتى يصل إلى تصنيع جهاز محمول، يتسم بالبساطة ورخص الثمن ويتيح لكل البشر الاطمئنان على صحتهم في لحظات دون الحاجة إلى فحوصات مكلفة أو جراحات استكشافية أو عينات نسيجية معقدة.
البحث الثاني قام به علماء جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس ونشر هذا الأسبوع في دورية الجهاز الهضمي «Gastroenterology»، وتم تحت إشراف البروفسور دافيد وونغ أستاذ جراحات الفم والأسنان بالجامعة، أسفر عن نتائج طيبة تخص التشخيص المبكر لواحد من أسوأ أنواع السرطانات المعروفة قاطبة، سرطان البنكرياس، الذي أصاب ما يربو على 42 ألف شخص في الولايات المتحدة في عام 2009، وقتل منهم أكثر من 35 ألفا، ليحتل المركز الرابع عالميا في أسباب الوفاة.
واستطاع العلماء تحديد متغيرات معينة تحدث في المكونات الجزيئية للعاب في الحالات المبكرة لسرطان البنكرياس، وتمكنوا من اكتشافها إكلينيكيا ومخبريا بنسبة دقة وصلت إلى أكثر من 90 في المائة في المصابين بالورم.
وعلى الرغم من أن عينة البحث كانت ضئيلة للغاية، حيث شمل البحث ما يناهز مائة حالة فقط، فإن النتائج قد تكون القطرة التي تسبق الغيث في الحرب على أبشع أنواع السرطان في العالم.
استئصال الأورام
البحث الثالث أتى من جامعة كاليفورنيا أيضا، فرع مدينة سان دييغو، حيث تَمكّن علماؤها من استخدام تقنية مبتكرة في مجال جراحة الأورام تمكنهم من جعل الأورام تومض بضوء مشع، ما يسهّل التأكد من الاستئصال الكلي للورم في أثناء الجراحة.
والبحث منشور حاليا بدورية الأكاديمية العلمية الأميركية للعلوم، وأشرف عليه البروفسور روجر تسين، أستاذ الكيمياء والكيمياء الحيوية والعقاقير الطبية بالجامعة، وهو استكمال لأبحاثه السابقة التي نال عنها جائزة نوبل للكيمياء عام 2008 في تصنيع البروتين المتألق «Green fluorescent protein».
وقد وصلت الأبحاث إلى مراحل متقدمة ومبشّرة على فئران التجارب التي زرع العلماء بها أنسجة بشرية مصابة بالسرطان، ثم قاموا بحقنها بالبروتينات المشعة قبيل إجراء الجراحة لاستئصال هذه الأورام.
وجد العلماء أن الأورام تشع بضوء متألق عند تعرضها لمصابيح معينة في أثناء الجراحة، مما مكّن الجراحين من استئصال الورم بدقة فائقة لا تتاح لهم في الظروف العادية، حيث يعتمدون على إحساسهم الشخصي وحده في تحديد الحدود الخارجية للورم.
كما تمكن الجراحون أيضا من تتبع واستئصال الأورام الثانوية (وهي الأورام التي تنتقل من العضو الأصلي المصاب إلى أعضاء أخرى، وتكون في الأغلب عسيرة التشخيص والإيجاد في أثناء الجراحة).
ويعمل العلماء حاليا على دراسة هذه التقنية في مرحلتها الأخيرة على البشر، كما يسعى الفريق إلى تطويرها ويحلمون بزمن قريب حينما يصبح الجراحون قادرين على رؤية كل الأورام بمجرد شق البطن بصورة واضحة.