أسكن في إحدى قرى صعيد مصر والتي تقع بالقرب من حدود السودان وتسمى بقرية "الجعامصة" ، نعم اسم غريب وربما ثقيل على اللسان لكننا تعودنا عليه ، يتوارث أهل هذه القرية الصغيرة ما يعرف بـ "اسطورة الخوخر" وهى كلمة نوبية مشتقة من كلمة "خاخور" وتعنى الغريب، صحيح أننا لا نتكلم اللهجة النوبية ولكن هنالك كلمات كثيرة موجودة في لهجتنا لا يعرفها أهل مصر.
أسطورة الخوخريروي لنا المسنين أن الخوخر شخص غريب أتى الى القرية وسكن فيها أيام الملك فؤاد والد الملك فاروق ، أي في ثلاثينيات القرن الماضي وبحسب رواية الأجداد كان هذا الشخص غريب الهيئة والمنظر ذو طول فارع وجسد عملاق كما كان شخصاً ثرياً حيث شترى قطعة أرض على أطراف القرية وبنى عليها كوخاً وظل يعيش فيه منعزلاً بعيداً عن الناس إذ لم يكن يصادق أحد ولا يشاهده أحد إلا فيما ندر ، والذي جعله شخصاً مريباً و ربما مخيفاً في نظر الناس هو خوف الحيوانات منه ، فلم يكن يراه كلب إلا ولى هارباً وهو ينبح ، واذا اقترب حمار من منزله ظل يقدم خطوة ويؤخر أخرى ، ورغم هذا كله فان بقي الأمر ظل مقبولاً إلى أن وقعت سلسلة من حوادث القتل.
إفتراس متسلسلاستيقظ أهل قرينا الصغيرة ذات يوم على عويل ونواح فقد وجدوا جثة رجل "عبيط " كان يجوب القرى وهو ما يعرفه أهل الريف بالمجذوب ويعتقدون أنه رجل مبروك ، كان جسده ممزقاً وآثار المخالب على جسده وجاءت الشرطة وحققت وكان التوصيف هو أن حيوان مفترس قد افترسه ولكن أي حيوان يملك آثار الأقدام هذه ! ، فقد كان بجوار الجثة آثار أقدام كبيرة الجحم وكأنها لرجل يملك أقدام ذئب ثم بعد عدة أسابيع وجدوا جثة أحد الغفر وكانت ممزقة بنفس الطريقة وبجانبها نفس آثار الأقدام وبدأت الأفكار تتجه نحو الوافد الجديد الذي أرتبط مجيئه بتلك الأحداث ورغم عدم وجود أدلة تدينه الا أن أهل القرية قرروا تفتيش منزله.
- وهكذا ذهب المأمور برفقة العساكر وجمع غفير من أهل القرية الى بيت ذلك الرجل الغريب وحينما لم يفتح الباب أمامهم قرروا إقتحام البيت فكسروا الباب ودخلوا ليفتشوه ولم يجدوا أي أثر لذلك الغريب، في تلك الأيام كانت البيوت تبنى من الطين وتكون مكونة عادة من طابق واحد ورغم ثقة أهل القرية في أن هناك صلة بين ذلك الغريب وجرائم قتل الا أنهم لم يجدوا شيئاً ، واتضح أيضاً أنه لا يربي أياً من الحيوانات المفترسة في بيته ولا يوجد أثر لدماء ، لكن بعد عدة أيام شاهد البعض نفس الشخص الغريب وهو جالس أمام الترعة يرمقهم بنظرات غضب وطبعاً لم يجرؤ أحد على الإقتراب منه أو حتى التحدث معه.
- بعد عدة أسابيع تكرر الأمر وكانت الضحية امرأة هذه المرة بعد أن خرجت ليلاً لتخبز ، لم يكن أحد يستطيع ايقاف أهل القرية الغاضبين من هدم بيته وتسويته بالأرض ولكن حوادث القتل لم تتوقف بل ظلت قائمة وان كانت تحدث على فترات متباعدة وأحياناً يجد أحدهم بقرته وقد تمزقت ليلاً.
تخمينات متنوعةمن الملاحظ أن جميع الحوادث حصلت ليلاً وقد وصف البعض هذا الرجل بالشيطان الذي أتخذ هيئة البشر ليعيش بيننا في حين أن البعض الآخر قال أنه ساحر يسخر الجن بهدف أذية أهل القرية ورغم كثرة الشائعات الا أن أحداً لم يتمكن من معرفة ماهيته حتى الآن !
مخاوف متواصلةمازلنا الى يومنا هذا نجد شخصاً ممزقاً كل عدة سنوات ، كان آخرها عابر سبيل وجدوا جثته ممزقة عند أطراف القرية ودائماً ما يكون التقييد الرسمي للحادثة هو حيوان مفترس هاجم الضحية ، وتعلم الشرطة بآثار الأقدام الموجودة بجوار الضحية ، ولهذا أصبح من المستحيل أن يخرج أحدنا ليلاً وان اضطرته الظروف لهذا فيكون في جماعة وليس منفرداً لدرجة أن مسجد القرية لا يقيم صلاة الفجر بل يصلي كل واحد فى منزله منفردا وهذا ما توارثه الآبناء من الأجداد.