اقبل صمت ليلة باردة ليغطي بمعطفه الاسود
روح هذه الفتاة المستلقية على فراشها
و التي لم تكترث لدعوة القمر
الذي اقترب بجسده الابيض اللامع
ليرتشف عبير نحيبها
و يستمع الى عزف تنهيداتها
ربما لانها كانت تحاول ان تستجمع بقايا روحها
خوفا من ان تسكب من بين ايديها
كمياه نهر ينتهي به المطاف في محيط لا حدود له
كم لهذه الروح ان تستحمل
غربة مرة
مرتان
كل يوم
وداع يلبس قناع "الى اللقاء"
اصدقاء يرحلون الواحد تلو التالي
اناس كان وجودهم حولها يبعث النور في روحها المرحة
و الان تتمنى رايتهم ولو مرة واحدة قبل ان يسبقها اليهم ذلك القدر القاسي
و اناس رحلو من دنياها حتى دون كلمة وداع
دون ان تبكي في احضانهم
و ترسخ في ذاكرتها عبير عطرهم
بيت صغير مليء بالود و الدفء
يعطف اناسه بصدق على كل من دخله
و يبعث البهجة في كل زواره
بيت كل زاوية فيه تحمل ذكريات كثيرة لا تنسى
اصبح منذ زمن مجرد طيف تتذكره في احلامها الليلية
و حتى في احلام اليقظة
تذكرت تلك المزرعة
التي كانت بيتها الثاني
اشجار الرمان و الاجاص و التين...
و رائحة الخبزالطري الذي كانت تلتهمه بشراهة براءة الاطفال
لترى تلك الابتسامة العذبة من شفاه جدتها الطيبة
و اشخاص كانت حكاياتهم و حياتهم
في الليالي الصيفية بتلك المزرعة
تاخذها الى عالم الف ليلة و ليلة
تنهدت بحسرة حين تذكرت تلك الجدة
فحاولت ان تشغل تفكيرها باي شيء اخر
فتذكرت لهفتها حين كانت ترى والدها يضع حقائبه ليبقى اياما قلائل
ليغيب مرة اخرى اشهرا كانت تعدها بالثواني و الدقائق
اه كم تكرر معها هذا الموقف
و كل مرة كانت تحس بنفس اللهفة و الفرحة عند لقائه
و نفس القهر و الحزن حين تراه يحمل حقائبه ليرحل من جديد
لم تستوعب دفئ تلك الذكريات الا بعد ان اصبحت كذلك
مجرد ذكريات
اه كم اصبحت بعيدة تلك الذكريات
تنهدت الفتاة مرة ثانية بحسرة ففرت من عينيها دمعتان احرقتا وجنتاها
تذكرت كل سنوات الغربة التي عاشتها
كل ما فقدته بسببها
لم يعد لذلك الدفئ وجود
اختفت تلك الاعياد الدينية
تلك الافراح
تلك التفاصيل الصغيرة التي تصنع الحياة
حاولت ان تستوعب حياتها الجديدة
حاولت ان تصنع عالما جديدا لها
لكن كم كان هذا العالم باردا
ثلجا
اصطناعيا لا حياة فيه
عالم مليء بوجوه من بلاستيك
حاولت ان تنقذ نفسها من ذلك العالم الغريب المنغلق على ذاته
فجربت ان تغترب وسط غربة اخرى
لكن يالقساوة هذا القدر الذي يعاندها
و يالقساوة هذا القرار الذي اتخذته
فالقدر يعاندها في كل شيء
و يعكس كل قراراتها
و لو انها كل ما تريده هو رضا الله و رضا و سعادة والديها
فالتفتت لتجد نفسها وحيدة
وحيدة لدرجة موجعة
وسط عالم معقد متشعب
يعرقل كل خطوة تحاول ان تخطوها
بعد تسلسل كل هذه الافكار في بالها
احست ببرد شديد في جسدها النحيل
ارتجفت من البرد و الخوف و القهر والظلم
اغمضت عينيها بشدة
حاولت البكاء فلم تستطع
فما اصعب ان ياخذ منك القدر كل ما تحبه
و يعدك بان ياخذ منك ما تتمناه
فتحس بالعجز
دعت و صلت الى رب العالمين
و ذكرت نفسها انها لم و لن تفقد ايمانها ابدا فهو ما يبقيها على قيد الحياة
و هو سبب قوتها
و السبب الذي يجعلها تستمر
لكن لم تكن متاكدة
هل سيصمد جسدها و روحها كثيرا
امام لكمات القدر اللامتناهية